Site Meter

Thursday, March 30, 2006

مسلمون و مسيحيون وعقل للماضى


منذ أيام أذيع خبر خلال برنامج بى.بى. إكسترا عن فيلم جديد بعنوان "صباح" للمخرجة السورية الكندية ربى ندى ، تدور أحداث الفيلم حول مسلمة تتزوج من مسيحى و أثار موضوع الفيلم ردود أفعال لدى مستمعى بى.بى.سى أغلبها يتناول غاضباً موضوع الفيلم من زاوية دينية تتحدث عن حرمانية/ عدم جواز أن تتزوج المسلمة من مسيحى. يأتى هذا متزامناً تقريباً مع ردود أفعال أيضاً غاضبة - ربما على سبيل الوحدة الوطنية - مؤسسية و شعبية بسبب حكم لمحكمة القضاء الإدارى بإجبار الكنيسة القبطية على تزويج مطلق.
ما أريد أن أكتب عنه هنا ليس هو الزواج المختلط بين أتباع الديانتين أو الطلاق فى المسيحية و لكن ما يهمنى هو كيف نتعامل مع قضايا من هذا النوع الآن فى القرن الحادى و العشرين ؟ هناك إجابات سابقة التجهيز لدى الكثيرين تنفى أن ماهو دينى يتأثر باللحظة الزمنية ، فهو فى نظرهم مطلق خارج الزمن.
من إستمع لتعليقات من شاركوا من المستمعين لما أذاعته بى.بى.سى يمكنه أن يلاحظ إننا نجتر أسئلة و إجابات مفارقة لزمنها و سياقتها ، أعنى أن أغلبية التعليقات تناست واقع جديد يقول أن هناك أجيال جديدة من أبناء المهاجرين العرب الذين ولدوا فى أوروبا و أمريكا وسط ثقافة مغايرة و قيم مختلفة تقدس الحريات الفردية و تتعامل مع ما هو دينى بمنطق مختلف ، أغلبية التعليقات تحدثت عن جواز زواج المسلم بغير المسلمة و عدم جواز زواج المسلمة من غير المسلم و هو أمر يبدو صعب الفهم لدى من ولد فى ثقافة مغايرة ، الغريب أننا لم نسمع سؤالاً من المشاركين عن "لماذا؟" ، لماذا يحرم الإسلام على المرأة المسلمة ما يحلله للرجل المسلم؟ ، لا تهمنى كثيراً الإجابة ، ما يشغلنى حقاً هو التساؤل و منطق الإجابات و كيف نصل إليها. هل لدينا الجرأة لنسأل أسئلة من هذا النوع ؟ أى أدوات و أليات يستعملها عقلنا الجمعى لنفكر فى إجابات لأسئلة مشابهة.
وحين ننتقل للجانب المسيحى يمكننا بسهولة رؤية سيناريو شديد الشبه ، ردود الأفعال القبطية لحكم محكمة القضاء الإدارى – بعيداً عن الشق الدستورى و القانونى من إختصاص المحكمة بهذا من عدمه – التى تناولت إستحالة أن تقبل الكنيسة بالطلاق إلا بسبب الزنى أو بطلان عقد الزواج ، ردود الأفعال هذه تضع التصور المسيحى للزواج المعتمد على أن "ماجمعه الله لا يفرقه إنسان" فى مواجهة مع واقع إجتماعى يقر بوجود عدد غير قليل من الزيجات الفاشلة التى تنتهى بتدمير حياة الطرفين ، مرة أخرى تجد نفس الطريقة فى إعادة إنتاج الأسئلة و الإجابات بشكل يفارق الواقع الإجتماعى و اللحظة الزمنية التى نحياها.
الأسئلة و الإجابات الحالية فى الحالتين و حالات أخرى مشابهة لا تقدم حلول بل تزيد تعقيد المشكلات و تضع البشر فى حالة صراع داخلى مع أنفسهم و أيضاً صراع مع الأخرين.
مرة أخرى أؤكد أن ما يشغلنى ليس وجود إجتهادات فقهية أو لاهوتية جديدة من أجل تغيير ماهو قائم أو السماح بما هو غير مباح ، بل هو كيف نسأل و كيف نفكر لنجد الإجابات ليس فقط من رجال و علماء الدين و لكن الأهم من البشر العاديين .ربما نصل لنفس الإجابات القديمة و ربما لا ، لا يهم ، و لكن بإعتماد طرق و اليات جديدة للتفكير تناسب واقعنا و زمننا.

أغلبية ردود الأفعال لهذه القضايا و ما يشابهها تظهر أننا نستعمل فقط " عقلنا السائد " و هو على حسب لالاند* " منظومة القواعد المقررة و المقبولة فى فترة تاريخية ما ، و التى تعطى لها خلال تلك الفترة قيمة مطلقة" و فى حالتنا نحن يبدو أن عقلنا السائد و ما نعتبره مطلقاً قد تكون و تجمد منذ قرون طويلة و أن عقلنا الفاعل* " الملكة التى يستطيع بها كل إنسان أن يستخرج من العلاقات بين الأشياء مبادئ كلية و ضرورية" معطل ، نحن أسرى لعقل سائد كونه عقل أجدادنا الفاعل منذ قرون فى سياق زمنى و ظروف حياتية ليس بينها وبين ما نحياه الآن أى شبه.
هل من طريقة للخروج من أسار عقل ماضوى يفكر للماضى ؟
هل يمكن أن نسأل أسئلة من نوع علاقة ما هو دينى بما هو إنسانى ؟ هل الدين من أجل الناس أم الناس من أجل الدين؟ هل يمكننا أن نسأل مثلاً لماذا يكون ما هو دينى عائقاً أمام قصة حب بين مسلمة و مسيحى ؟ أوليس الحب سبباً كافياً و قيمة دينية و إنسانية عليا؟ لماذا يكون ما هو دينى عائقاً أمام إستعادة زوجين مسيحيين لحياتهما بعد فشل زواجهما ؟ أو ليست الحياة تستحق؟ أوليست الحياة قيمة دينية و إنسانية عليا؟
ثم و ماذا نفعل مع من قرر عدم طاعة ما هو دينى بالشكل الحالى و رأى أن ما يقدمه الخطاب الدينى يضعه فى حالة مواجهة مع حياته و قناعاته و زمنه و يضعه فى مأزق إنسانى حاد ممزقاً عقلاً و نفساً و روحاً؟
هناك حالات فى مصر لمسلمات تزوجن من مسيحيين ، و حالات طلاق ثم زواج مدنى بين المسيحيين المصريين ، هل نحن على إستعداد لقبول البشر وحقهم فى مخالفة ما هو دينى بدون الحكم عليهم بقسوة؟ أتحدث على المستويين الدينى و الإجتماعى.
هل هناك أمل فى أن نستعمل عقولنا لنعيد التفكير بأليات جديدة لزمن جديد ؟هل هناك أمل لنُكون بإستخدام عقلنا "الفاعل" عقلاً سائداً جديداً يفكر لزمن جديد يحمل تحديات جديدة كل الجدة؟


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور محمد عابد الجابرى " تكوين العقل العربى" – دار الطليعة بيروت -1984*
المرجع الأصلى
A. Lalande : La raison et les norms. pp. 16-17 , 187, 228 Hachette Paris 1963