Site Meter

Monday, March 02, 2009

تدوين

تأ سرنى دفاتر تدوين جمال الغيطانى منذ ما يزيد قليلاً عن العامين، بدأت قراءتها و قراءته بعد أيام قليلة من يوم ميلادى – يوم بلوغى الثلاثين- لتثير فى نفسى الكثير من الأسئلة و التداعيات . ما يكتبه الغيطانى فى دفاتر تدوينه لا يدفعك فقط لتفكر أو تتساءل بل أيضاً أن تنظر لحياتك بطريقة مغايرة : أن تفكر بأن كل يوم من أيامها هو جزء منك ؛ أن تجعله يعبر فارغاً بلا أثر أو ذكرى ، بلا لحظة عمق أو صدق أو سعادة و كأنك تقتطع جزء منك لترميه فى طى النسيان ، فى أغوار ستعجز أن تعود إليها حين يأتى الوقت لتنظر ورائك ليس فيما أنجزت و لكن فيما عشت . تتنازعنى تلك الفكرة : المقابلة بين "الإنجاز" من ناحية و "العيش" من ناحية أخرى ، زمننا اللاهث من فرط سرعته يجرفنا للتفكير فى الإنجاز فى كل شئ حتى فى العلاقات الإنسانية و نهمل التفكير فى الحياة : فى خوضها إلى العمق ، ممارسة فعل الحياة من خلال الأخرين ... لن أترك أفكارى للتداعيات ، أعود لجمال الغيطانى ؛ دفاتر تدوينه بعيداً عن لغتها شديدة الخصوصية و الإبداع – فى هذا تفصيل ليس هنا مجال لذكره أنوى الخوض فيه لاحقاً- تجذبك إلى عوالمه شديدة الخصوبة و السحر و أيضاً تدفعك دفعاً لأن تنظر داخلك ناظراً من خلال حياة ثرية عاشها هو و قدرة فريدة على البوح وإستعادة التفاصيل : وجوه من عرفهم ، رائحة بعضهن ، نظرات أخرين . كنت أقرأ الآن فى دفتر تدوينه الثالث "رشحات الحمراء" ، الحمراء هو إسم لسيدة عرفها فى طفولته الأولى و إكتشف حين بدأ التدوين أن كثيرات ممن فتن بهن و أثرن فيه و بقين فى ذاكرته و نفسه كن فقط "رشحات" منها ، هى الأصل و جميعن فروع ، جميعهن ترديد و إستعادة لبعض تفاصيلها . تفاصيل تلك "الرشحات" دفعتنى لمراجعة كثير من علاقاتى ، محاولة الخوض فى التفاصيل و مراجعتها ، محاولة فهم لحظات الإنبهار أو النفور ، ما دفعنى لحظات لأن يتهدج صوتى أو يحتد ، أن تحن نظراتى أو تقسو . أسئلة الغيطانى المطمورة فى ثنايا تدوينه ، سواء أسئلته فى لحظات وقوع الأحداث أو أسئلته فى وقت تدوينه لها تبدو محيرة مبهمة الإجابات – ربما لم تعد كذلك له هو الآن - ، إنها مبهمة الإجابات لمن يقرأها باحثاً ليصوغ إجاباته هو ، منقباً فى حياته و مساراتها ، دروبها و تعقيداتها ، أسئلة الغيطانى تجبرك أن تبحث عن أجوبة لأسئلة عصية ؛ ماذا سيتبقى من تلك اللحظات التى نعيشها الآن ؟ لماذا تحتفظ ذاكرتنا بأشياء بدت لنا فى لحظات حدوثها تافهة بلا قيمة و يضيع منها ما ظنناه ذو أهمية قصوى ؟ ، أين تذوى لحظات ظننا لفرط ألمها أو مرارتها أننا سنبقى فيها للأبد ؟ ماذا يفعل بنا الزمن – هذا الحاضر الغائب المبهم- ؟ من منا يعيش الأخر نحن أم هو؟ هل حين سيأتى وقت النظر للخلف سنفخر بالإنجازات – إن وجدت - أم سنفتش عن لحظات السعادة لنستعيدها ؟ أيهم سيكون أكثر أهمية حينئذ؟ أعجز عن بسط كل مايدور بداخلى الآن....
داهمنى شعور أخر خلال قراءتى لـ "رشحات الحمراء" : الحسرة ، الحسرة على فرص لممارسة الحياة نفقدها بسبب مجتمع ساهم فى تكوين جيلى من خلال عقله الماضوى السائد ، مجتمع حوله المتدينون إلى مجتمع متكلس قارب الموت ، تملأه محاذير و تابوهات مقارنة بمجتمع أكثر حرية و إنفتاحاً و رغبة فى الإستكشاف و المغامرة عاش فيه الغيطانى فى شبابه ، لحظات تفجر الأحلام بالوطن و الناس . علاقات الغيطانى التى دونها فى دفاتره قد تتشابه فى بعض أحداثها مع بعض علاقاتى التى لم يكتمل تمامها لفرط محافظة مجتعنا ، لقسوة محاذيره التى يزرعها داخلنا ، لا أقصد هنا البعد الجسدى للعلاقات و فقط بل أيضاً تلك القدرة على المكاشفة، على البوح ، الإفضاء ، لم يكن هذا دائماً من جانب من عرفتهن بل كثيراً من الأوقات من جانبى – أحاول جاهداً التخلص من هذا الآن .
متى سنمتلك الجرأة لنحيا ، لنواجه أنفسنا و مجتمعنا ، لنرفض دعاوى التحجر و الموت ، متى ستصير "ممارسة فعل الحياة" مشروعنا الجمعى ؟؟

شكراً جمال الغيطانى

Labels: