(عبد الكريم .. الأزهر و المواطنة و إهانة الرئيس (2 من 3
(2)
فى مقالة بديعة لسمير مرقس نشرت فى الأهرام 18 / 2 /2007 عنونها "رؤية أدبية للمواطنة " ، كتب عن قصة قصيرة لنجيب محفوظ أسمها "صباح الورد" ، قصة تحكى عن شارع جديد فى العباسية فى مطلع القرن العشرين ، لحظة الخروج من العصور الوسطى إلى بوابة العصر الحديث ، إنتقل إليه – الشارع- خمسة عشر عائلة تمثل كم هائل من التنوع و ربما التناقض فيما تحمله من خلفيات و ما تمثله من رؤى و لكنها أستطاعت أن تتفاعل.
كتب سمير مرقس فى مقاله:
" أسر عدة عبر عنها الراوي عكست كل ألوان الطيف في مصر, تتعايش معا في شارع واحد تتحاور وتتواصل معا بالرغم من التناقضات والتباينات واختلاف التحيزات, من أجل تجاوز الهموم المشتركة, لقد كان التنوع عامل قوة عندما قبلت هذه الأسر فكرة الحياة المشتركة التي احتضنها الشارع الجديد, ولم تمنع التناقضات في البداية من المحافظة علي المودة والحب بين أفراد الشارع, ولكن مع تعاقب الأجيال هجر البعض, وانزوي البعض الآخر, وجدنا الذي يبرز علي الساحة: المرابي الواقعي الذي قدس القرش وعبده ولم ينتم لأي مبدأ أو رأي أو شرق أو غرب, والحفيد المتطرف الذي كفر والديه, بالاضافة الي من ترك نفسه للقدر, ومن أسلم حياته للعدم, ومن حصر اهتمامه بقبر, وهكذا أصبح التجاور البديل للاندماج, فلقد فرقت السبل الناس والتف كل طرف حول تحيزه الشخصي الذي منعه من رؤية الآخر, وتواري التنوع لمصلحة طرف يعتقد انه يملك الحقيقة المطلقة وحده ومن ثم علي الآخرين ان يتبعوا مايعتقد والا فالتكفير هو السلاح المشهر, وعليه لم يعد الشارع لما كان عليه
فى مقالة بديعة لسمير مرقس نشرت فى الأهرام 18 / 2 /2007 عنونها "رؤية أدبية للمواطنة " ، كتب عن قصة قصيرة لنجيب محفوظ أسمها "صباح الورد" ، قصة تحكى عن شارع جديد فى العباسية فى مطلع القرن العشرين ، لحظة الخروج من العصور الوسطى إلى بوابة العصر الحديث ، إنتقل إليه – الشارع- خمسة عشر عائلة تمثل كم هائل من التنوع و ربما التناقض فيما تحمله من خلفيات و ما تمثله من رؤى و لكنها أستطاعت أن تتفاعل.
كتب سمير مرقس فى مقاله:
" أسر عدة عبر عنها الراوي عكست كل ألوان الطيف في مصر, تتعايش معا في شارع واحد تتحاور وتتواصل معا بالرغم من التناقضات والتباينات واختلاف التحيزات, من أجل تجاوز الهموم المشتركة, لقد كان التنوع عامل قوة عندما قبلت هذه الأسر فكرة الحياة المشتركة التي احتضنها الشارع الجديد, ولم تمنع التناقضات في البداية من المحافظة علي المودة والحب بين أفراد الشارع, ولكن مع تعاقب الأجيال هجر البعض, وانزوي البعض الآخر, وجدنا الذي يبرز علي الساحة: المرابي الواقعي الذي قدس القرش وعبده ولم ينتم لأي مبدأ أو رأي أو شرق أو غرب, والحفيد المتطرف الذي كفر والديه, بالاضافة الي من ترك نفسه للقدر, ومن أسلم حياته للعدم, ومن حصر اهتمامه بقبر, وهكذا أصبح التجاور البديل للاندماج, فلقد فرقت السبل الناس والتف كل طرف حول تحيزه الشخصي الذي منعه من رؤية الآخر, وتواري التنوع لمصلحة طرف يعتقد انه يملك الحقيقة المطلقة وحده ومن ثم علي الآخرين ان يتبعوا مايعتقد والا فالتكفير هو السلاح المشهر, وعليه لم يعد الشارع لما كان عليه
.
يقول لنا نجيب محفوظ في بساطة وعمق ان عبقرية مصر في تنوعها المركب المتعدد العناصر, فمتي فُعل هذا المركب بعناصره المتعددة تجلت هذه العبقرية, حيث القدرة علي استيعاب التنوع والتفاعل المبدع بين الزمان والمكان والبشر وعليه تكون العلاقة بينهم هي حاصل ضرب لا حاصل جمع حيث تعني الأولي الاندماج والثانية التجاور, الاندماج الذي حقق الاستمرارية والتغيير ـ بحسب تعبير محمد شفيق غربال ـ تاريخيا, والتجاور الذي يعوق التطور, ان هذا المركب الحضاري هو الذي سمح بأن نري شخصيات متنوعة, في قصة صباح الورد, فيما تؤمن وفيما تسلك, فالكل مقبول ويسعه الشارع, حيث لاتوجد أحكام مسبقة أو نماذج مثالية سابقة التجهيز, ما انعكس إيجابا علي الشارع, أما عندما انحل الاندماج لمصلحة التجاور انكفأ كل طرف علي نفسه, وكون شارعه الخاص, فلم يعد الشارع الحاضن للجميع كما كان. ان مصر المركب المتعدد العناصر, لايمكن اختزال عناصره الي عنصر واحد ولايظن اي عنصر من عناصره في نفسه القدرة علي ان يختطف مصر لحسابه, وتصبح مصر أحادية التوجه أو ذات لون واحد لأن هذا يعني النقيض للخبرة المصرية."
هنا يأتى ما يرعبنى حقاً : " التجاور " محل " الإندماج "، الإنكفاء على الذات و إمتلاك الحقائق المطلقة ، نقض الخبرة المصرية فى التنوع و التفاعل ، ما يخيفنى هو ما رأيناه فى مواقف عديدة أخيراً من عدم قدرتنا كمجتمع أن نتسامح مع الإختلاف ،أن نقدر الأشياء حق قدرها ، أن نميز بين ما هو جوهرى و ما هو سطحى تافه ، أن نسعد بالتنوع و نراه ثراء حقيقى يدفع كل طرف إلى تقديم أفضل ما عنده ، أن يدفعنا الإختلاف إلى الحوار و معرفة الأخر و محاولة العمل معاً من أجل تجاوز عثراتنا وحالتنا المزرية ، من أجل محاولة النهوض مرة أخرى بهذه الأمة ، من أجل محاولة اللحاق بعالم يعدو بسرعة مدهشة للأمام و نحن نسابقه فى التراجع للخلف .
فكرة التفاعل بين الجميع بغض النظر عن أى إختلافات أو تناقضات هى تجلى لتلك القيمة المغيبة : " المواطنة " ، من حق الجميع الظهور فى المجال العام و كل يحمل وجهات نظره إتفقت أو إختلفت مع الأخرين ، إقتربت أو إبتعدت عن المركز ، مادامت وجهات النظر تلك لا تسبب إيذاء مباشراً أوتدعو لعنف ضد أى طرف أخر ، و هنا الإختلاف ليس منة من أحد بل هو حق أصيل للجميع و بلا أى نوع من التمييز ، ليس من حق أحد أن يستأثر بالمجال العام ،لا أحد هو "صاحب الوطن " و "الشارع لنا " بغض النظر عن أى إنتماءات أضيق أو قناعات أضيق ، مصر للجميع لا يحق لطرف نفى أى فرد – قيمة الفرد لا توجد فى مجتمعنا – إرتكازاً على أفكاره مهما كانت درجة إختلافها أو تناقضها مع أى جماعة داخل المجال العام.
من حق أى شخص أن يحمل تحيزاته و أفكاره و أن يعبر عنها ، مرة أخرى مادامت تلك الأفكار لا تتسبب فى ضرر مباشر لأحد كما تتفق كل المواثيق الدولية و كما فى كل المجتمعات المتطورة ، كلمات عبد الكريم لم تؤذى أحداً أو تحرض على عنف ضد أحد ، لم يُجبر أحد على قراءتها ، من تغضبه تلك الكلمات يحق له الرد ، يحق له أن يفند كل مايقوله عبد الكريم ، و لكن أن يعاقب من أجل أن كلماته أغضبت البعض - كثير أو قليل - بسلب حريته لسنوات فهذا لم يعد مقبولاً الآن . لا أظن أن فعل "الإغضاب" يكون عقابه "الحبس" فمن الطبيعى أن يتناسب الفعل و رد الفعل.
سيخرج الآن - و بالقطع - من سيقول أننا نقلد الغرب تقليداً أعمى و ستعاد تلك "الإسطوانة المشروخة" عن إننا ننسى أنهم يجرمون قانونياً إنكار" الهولوكوست". نحن نرى في تلك القصة تمييز قانونى لصالح جماعة بشرية ما – اليهود - و ضد جماعات أخرى ، لذا أفهم أن نبذل جهوداً – و لنا كل الحق - لإلغاء هذا التمييز لصالح هؤلاء ما دام يغضبنا إلى هذا الحد ، لا أن ننتقم من أنفسنا و نصك قوانين تمييزية ضد أفراد أو جماعات أضعف فى مجتمعنا قياساً على إنه هناك تمييز لصالح أو ضد أخرين هنا أو هناك .
هنا يأتى ما يرعبنى حقاً : " التجاور " محل " الإندماج "، الإنكفاء على الذات و إمتلاك الحقائق المطلقة ، نقض الخبرة المصرية فى التنوع و التفاعل ، ما يخيفنى هو ما رأيناه فى مواقف عديدة أخيراً من عدم قدرتنا كمجتمع أن نتسامح مع الإختلاف ،أن نقدر الأشياء حق قدرها ، أن نميز بين ما هو جوهرى و ما هو سطحى تافه ، أن نسعد بالتنوع و نراه ثراء حقيقى يدفع كل طرف إلى تقديم أفضل ما عنده ، أن يدفعنا الإختلاف إلى الحوار و معرفة الأخر و محاولة العمل معاً من أجل تجاوز عثراتنا وحالتنا المزرية ، من أجل محاولة النهوض مرة أخرى بهذه الأمة ، من أجل محاولة اللحاق بعالم يعدو بسرعة مدهشة للأمام و نحن نسابقه فى التراجع للخلف .
فكرة التفاعل بين الجميع بغض النظر عن أى إختلافات أو تناقضات هى تجلى لتلك القيمة المغيبة : " المواطنة " ، من حق الجميع الظهور فى المجال العام و كل يحمل وجهات نظره إتفقت أو إختلفت مع الأخرين ، إقتربت أو إبتعدت عن المركز ، مادامت وجهات النظر تلك لا تسبب إيذاء مباشراً أوتدعو لعنف ضد أى طرف أخر ، و هنا الإختلاف ليس منة من أحد بل هو حق أصيل للجميع و بلا أى نوع من التمييز ، ليس من حق أحد أن يستأثر بالمجال العام ،لا أحد هو "صاحب الوطن " و "الشارع لنا " بغض النظر عن أى إنتماءات أضيق أو قناعات أضيق ، مصر للجميع لا يحق لطرف نفى أى فرد – قيمة الفرد لا توجد فى مجتمعنا – إرتكازاً على أفكاره مهما كانت درجة إختلافها أو تناقضها مع أى جماعة داخل المجال العام.
من حق أى شخص أن يحمل تحيزاته و أفكاره و أن يعبر عنها ، مرة أخرى مادامت تلك الأفكار لا تتسبب فى ضرر مباشر لأحد كما تتفق كل المواثيق الدولية و كما فى كل المجتمعات المتطورة ، كلمات عبد الكريم لم تؤذى أحداً أو تحرض على عنف ضد أحد ، لم يُجبر أحد على قراءتها ، من تغضبه تلك الكلمات يحق له الرد ، يحق له أن يفند كل مايقوله عبد الكريم ، و لكن أن يعاقب من أجل أن كلماته أغضبت البعض - كثير أو قليل - بسلب حريته لسنوات فهذا لم يعد مقبولاً الآن . لا أظن أن فعل "الإغضاب" يكون عقابه "الحبس" فمن الطبيعى أن يتناسب الفعل و رد الفعل.
سيخرج الآن - و بالقطع - من سيقول أننا نقلد الغرب تقليداً أعمى و ستعاد تلك "الإسطوانة المشروخة" عن إننا ننسى أنهم يجرمون قانونياً إنكار" الهولوكوست". نحن نرى في تلك القصة تمييز قانونى لصالح جماعة بشرية ما – اليهود - و ضد جماعات أخرى ، لذا أفهم أن نبذل جهوداً – و لنا كل الحق - لإلغاء هذا التمييز لصالح هؤلاء ما دام يغضبنا إلى هذا الحد ، لا أن ننتقم من أنفسنا و نصك قوانين تمييزية ضد أفراد أو جماعات أضعف فى مجتمعنا قياساً على إنه هناك تمييز لصالح أو ضد أخرين هنا أو هناك .
ــــــــــــــــــــ
Labels: المواطنة