..تداعيات ثلاثينية
بدأت التداعيات بتعليق للعزيزة نرمين على تدوينتى السابقة "الثلاثون.. دوائر فى نقطة المنتصف " ، كتبت فيه إنه لولا دوائرى ما كنت أنا أنا ، و بدأ فيض من الأسئلة يتدافع هادراً يقتحمنى من كل صوب : و من أنا ؟؟ أترانى أعرف ذاتى حقاً ؟ أم ترى ما أعرفه عن ذاتى محض وعى زائف ؟ قـرأت منذ ساعات تدوينات إنسانية شديدة العمق لصاحبة "الحرملك" و صاحبة "الحاجات التانية" عن معاناة إنسانية و مأسى صغيرة لبشر تصادف أن يكن إناث ، و تزداد أسئلتى صعوبة : لماذا كل هذا ؟ لماذا يعانى البشر بسبب بشر أخرين ، بسبب ثقافة و أديان و مجتمعات ؟ لماذا يتحول الأخرين فى أحيانٍ كثيرة إلى جحيم ؟ لماذا الأخرون دائماً ؟
اقرر الذهاب للمقهى فى الثانية صباحاً ، أبحث عن رواية أبدأ فيها و أختار "نثار المحو" لجمال الغيطانى ، إبتعتها منذ ما يقرب من العام و لم أقرأها ، لماذا اخترتها الآن ؟ يبدو أنها "روح العالم" ، الإختيار متوافق تماماً مع حالتى و تساؤلاتى ، أبدأ فى القراءة لتراوغنى الأسئلة ، تهزم كل ما أتصوره يقينى ، العنوان بليغ شديد العمق " نثار المحو" ، حين تنظر ورائك فى سنواتك التى هربت : " المحو" و ما تبقى منها فى ذاكرتك هو مجرد "نثار" ، نثار ذكريات : أشخاص و أماكن و مواقف ومشاعر ، وجوه و ألوان ، أهذا كل ما يبقى ؟
كتبت فى التدوينة السابقة عن "حلم كبير" بإسهامة بسيطة حقيقية تفيد الوطن و البشر ، ترى بماذا يشعر هؤلاء العظماء الذين صنعوا خيراً للبشرية ؟ أتراهم يشعرون من الأساس بأى شئ ؟ ما الفارق بين " مرثية رجل عظيم " و "مرثية رجل تافه" ؟؟ ما قيمة ما نعطيه أو ما نصنعه للأخرين ؟ أو بشكل عكسى : ماذا كان سينقص من الحياة لو لم نعط أو حتى لو لم نوجد من الأساس ؟ تبدو الأسئلة عدمية ... هل الحياة أيضاً كذلك ؟
ما هى الحياة أصلاً ؟ م أهدافها ؟ أهى محض صدفة تطور ؟ أم أن لها هدفاً ما ؟ و إن كان لها فما هو؟
أشعر أن الحياة قصيرة للغاية أو سريعة للغاية ، فها أنا أذكرنى فى التاسعة عشر من عمرى و أنا أبدأ فى أول قصة حب حقيقية فى حياتى ، أذكر اللقاء الأول و التعارف و المشى ساعات على البحر و مفاجأة إكتشاف من تظنه توأماً لروحك ، اذكر فرحة و براءة البداية ، أذكر هذا كله و كأنه منذ ساعات ، لقد مر أحد عشر عاماً ، مروا يلهثون بسرعة شديدة ، لم يبق إلا "نثار"...
أعجز عن تدوير ما يمتد فى نفسى إلى كلمات ، تداهمنى أسئلتى ، تباغتنى ، أشعر بأننى فجأة فى فراغ بلا ملامح ، بلا إشارات ، حالة من قسوة اللا يقين ، يتزعزع ما صاغته خبرتى الحياتية البسيطة من نظريات .. ترى هؤلاء من يمتلكون يقينيات سعداء ؟ هل سيقومون و لو مرة بممارسة خيانة يقينياتهم الثابتة تلك ؟
يزداد إنهمار الأسئلة خلال عودتى من المقهى ، أقرر أن أكتب ، أبحث عن قلمى الحبر ، لا أجده ، لست منظماً على الإطلاق ، بل قد أستطيع أن أقول و أنا مطمئن أننى أكره النظام و أحب ذلك فى نفسى ، أرى الفوضى أكثر إتساقاً مع ناموس الحياة ، و أنا أبحث فى كل مكان حتى فى مطبخ شقتى الصغيرة تمنيت فى تلك اللحظة لو كنت منظماً ، إلى هذه الدرجة قد يغير من تصوراتنا شئ تافه كالبحث عن قلم ؟ لدى قلم حبر أخر أكثر فخامة و أغلى ثمناً و لكننى أحب الأخر ، ليس أجمل شكلاً و لكنه أكثر رشاقة ، لون حبره الأزرق العميق أقرب إلى نفسى ، ليس لكل هذا علاقة بوظيفته التى يؤديها أى قلم أخر : الكتابة ، لماذا نتعلق بأشياء بسيطة كقلم ؟ لماذا تخلق فينا أشياء بسيطة أحاسيس ما تتفاوت فى عمقها و متتاليتها ؟؟
أسأل الآن عن أسباب و قيمة وجودى و كنه ذاتى و حياتى ، و بعد ذلك يجب أن أرتدى وجه " أنا" الأخر ، يجب أن أبدأ فى قراءة بروتوكول لدراسة طبية كجزء من عملى ، دراسة ستبدأ لتحوى ألاف المرضى و يبدو هدفها المعلن شديد النبل و هو تحسين حياة هؤلاء المرضى ، أعرف تماماً ما ورائها ، إنه فقط زيادة الأرصدة البنكية لأصحاب أسهم شركة الدواء العملاقة التى أعمل بها ، ربما يكون تحسين حياة المرضى أثراً جانبياً للدراسة .. مفارقة! .. أعرف ذلك ، لماذا أفعل هذا ؟ لماذا يفعل البشر هذا ؟ لماذا نشيئ بعضنا بعضاً ؟ لماذا نستهلك الجميع : ذواتنا و الأخرين؟ هل نحن / البشر كائنات عاقلة حقاً ؟؟ لماذا بعد كل هذه الألاف من تاريخ البشرية لسنا سعداء ؟؟
تحيطنى الأسئلة من كل جانب ، تجتاحتى من أقصاى إلى أقصاى ، ينهار تحت وطأة إندفاع كل منها يقين ما..
تبقى الأسئلة بلا إجابات ...
ما كنه الحياة و الإنسان ؟
ما قيمة الإنسان ؟
ما كل هذا الذى يحدث حولنا فى حياة فقدت عقلها إن كان لها عقلاً من الأساس ؟
أنا لا أذكر شئ من حياتى الماضية
أنا لا أعرف شئ من حياتى الأتية
لى ذات غير أنى لست أدرى ما هيه
فمتى تعرف ذاتى كنه ذاتى ؟
لست أدرى
..
أننى جئت و أمضى و أنا لا أعلم
أنا لغز .. و ذهابى كمجيئى طلسم
و الذى أوجد هذا اللغز.. لغز مبهم
لا تجادل .. ذو الحجى من قال انى
لست أدرى
إيليا أبو ماضى – الطلاسم
حقاً لست أدرى...
5 Comments:
علامات استفهام كتير...كل ده من تعليق...امال البوست ده هيعمل فينا ايه؟؟
الظاهر الثلاثين ليها نفس التأثير على ناس كتير
همممم
بس
كما قلت كلها اسئلة بلااجوابة... وذللك و باختصار لان العقل و الادراك الانساني قاصر لسيطيع ان يفسر كثير من هذة الاسئلة
نرمين : شوفتى بأه إنت عملت فى إيه بالتعليق بتاعك
سقراط : لو كنت عارف إن التلاتين هتخليكى تظهرى كنت بقيت تلاتين من مدة ..إنت فين؟؟
سمعت تعليقك فى مكالمتين يوم عيد ميلادى ..هارد لك
سارة : تفتكرى المشكلة بس فى حدود الإدراك الإنسانى ؟؟ سؤال تانى ماعنديش إجابة ليه.. نورت المدونة
عندما يصيبنا الشك نحتار، وعندما نتيقن نحتار أكثر، إذ يزيد وقع فاجعة الخطأ المحتمل..كائنات عاقلة؟ نعم، ولكن لسنا سعداء لأننا ببساطة نبحث عن كنه السعادة. أحيانا نصل للأشياء هكذا، من دون بحث، وأحيانا لا نصل إليهاإلا هكذا! قد يخطئ العقل البشري، ولكن كيف يعرف الصواب إذا لم يخطئ؟، قد يشك، فكيف سيعرف اليقين؟ كيف سنفرح إذا لم نبكي؟ وكيف سننجح إذا لم نذق الفشل؟
لا أرى وجود الثوابت يعطي ثقلا للعقل البشري، بقدر ما يزيد أعبائه، العقل البشري ليس كاملا، ولكن من قال أنه ينبغي أن يكون؟ القصور يجعلنا نتسائل، والتساؤل يجعلنا نفكر، وبالتفكير تعمل عقولنا، إذا وصلنا للكمال، فلم نحيا؟!
حدود الإدراك الإنساني، نحن نضعها لألا نواجه ما نخافه. إذا فتحنا أبواب عقولنا، على مصراعيها ومن دون صرير، ستذهلنا افاق الإدراك الإنساني، ومرة أخرى، سنحيا..
من أجل يوم جديد، ليس كاملا ولا يمتد للأبد، ولكنه بنبض بالحياة، التي -كما هي- أحبها.
Post a Comment
<< Home